لقد شهد سكان العالم عواقب خطيرة بسبب جائحة كوفيد-19؛ بعضها تسبب فيها فيروس SARS-CoV-2 نفسه بشكل مباشر والبعض الآخر من القيود البشرية الناجمة عن التعامل مع التداعيات المجتمعية للمرض نفسه، أو تدابير التخفيف من آثار هذه الجائحة التي بدأتها الحكومات لمكافحة انتشارها. ولكن في ظل هذه الأمراض، يمكن للفرد أن يرى بارقة أمل عند مراقبة الأوضاع عن قرب والتي ظهرت كنتاجٍ ثانويٍ للاستجابة المجتمعية في مواجهة جائحة كوفيد-19. تتمثل إحدى الملاحظات في التغيير الذي حدث في معدل الولادات المبكرة، وخاصةً التي تشمل الانخفاض الشديد للغاية في الوزن عند الولادة (الوزن المنخفض للغاية عند الولادة (ELBW)، <1000 جم) والانخفاض الشديد في الوزن عند الولادة (الوزن المنخفض جدًا عند الولادة (VLBW)، <1500 جم)، وذلك أثناء الإغلاق الذي تعرضت له بلدان مختلفة بسبب جائحة كوفيد-19.
كان تقريرنا من مدينة ليميرك الأيرلندية في أوائل يونيو 2020 إحدى أولى الدراسات التي أجريت في العالم، والتي أشارت إلى مثل هذه الملاحظة المثيرة للاهتمام، كما نشرت دراسة دانماركية متزامنة نتائج مماثلة.1،2 وعلى الرغم من أن الدراسة الأيرلندية لاحظت انخفاضًا غير مسبوقٍ بنسبة 73% في عدد الرُّضع ذوي الوزن المنخفض جدًا عند الولادة خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020، مقارنةً بالعشرين عامًا الماضية، فقد أشار البحث الدانماركي إلى انخفاض بنسبة 90% في المواليد الذين وُلدوا مبكرًا بفترة كبيرة للغاية، وذلك مقارنةً بالسنوات الخمس السابقة.1،2 وقد توصلت مجموعتان بحثيتان أوروبيتان إلى نتائج شبه متطابقة من خلال دراستيْن مستقلتيْن نُشرتا مسبقًا في مطبوعات ذات صلة، وقد أثارت هاتان الدراستان بشدة اهتمام المجتمع العلمي ووسائل الإعلام. وقد أشارت محطات إعلامية وصحف من جميع أرجاء العالم، بما في ذلك The New York Times وBBC، إلى النتائج غير المتوقعة وغير المسبوقة والمزايا المحتملة في حالة تكرار مثل هذه النتائج في دراسات أكبر من مواقع جغرافية أخرى حول العالم.3،4 والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الشيء المثير للاهتمام بشدة في مثل هذه الملاحظة الصغيرة المرتبطة بتفشي جائحة كوفيد-19، ولماذا قد تكون غايةً في الأهمية؟
تمثل الولادة المبكرة قبل الأوان (الولادة قبل 37 أسبوعًا من العمر الحملي) حوالي 1 من كل 10 مواليد أو ما يعادل أكثر من 15 مليونًا سنويًا في العالم، مما يساهم بشكل كبير في اعتلال ووفاة الأطفال حديثي الولادة.5 كما يقترب المعدل السنوي العالمي للوفيات من المواليد المبكرة من المليون، مع زيادة نسبة البلدان النامية وذات الموارد المحدودة عن 80% من هذا العدد.5،6 وتعتبر وفيات الأطفال حديثي الولادة (التي تحدث خلال 28 يومًا من الولادة) المساهم الأكبر في عدد وفيات الأطفال دون سن الخامسة على مستوى العالم، كما تعد العامل الأكثر أهمية الذي يجب معالجته لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأطفال وفقًا للأمم المتحدة.7 وبالرغم من كل التطورات التي يشهدها مجال رعاية ما قبل الولادة والقبالة والتوليد ورعاية الأطفال حديثي الولادة، فإنه تجدر الإشارة إلى عدم انخفاض معدل الولادة المبكرة قبل الأوان (الخداج أو الابتسار) خلال العقود الثلاثة الماضية، بل زاد في مناطق عدة من العالم.8،9
في هذا السياق، قمنا بتحليل التأثير الاجتماعي والبيئي الإجمالي لتدابير التخفيف من آثار كوفيد-19 التي فرضتها الحكومة الأيرلندية، والتعديلات السلوكية التي اتبعتها النساء الحوامل، والتي قد تؤثر على رفاهيتهن ورفاهية الأطفال الذين لم يولدوا بعد خلال فترة الإغلاق.1 كما تم الترويج لممارسة التباعد الاجتماعي وتعزيز تدابير نظافة اليدين واستخدام الكمامات في العديد من البلدان، وذلك حتى قبل تنفيذ الإغلاق. وفي الواقع، كان الإغلاق نفسه تجربة اجتماعية فريدة تحكمت في العديد من المتغيرات الاجتماعية والبيئية المربكة، والتي لم تكن لتحدث في المجتمعات الحديثة لعقودٍ عديدةٍ لولا الإغلاق، ولم يكن ليتم إعادة إنتاجها حتى من خلال تنفيذ بروتوكول بحثٍ صارمٍ. ولأسبابٍ مفهومةٍ، يرتكز تقديم الرعاية الصحية الخاصة بالنساء الحوامل في الطب الحديث، في المقام الأول، على الملاحظات التي تقدمها المستشفيات وعمليات الرصد والتدخل في الوقت المناسب. وبالرغم من الأهمية الشديدة لهذا ووجوب استمراره، فإنه يجب علينا كمجتمع أن نعطي دفعة كافية ومستحقة للعوامل التي تتمحور حول الأسرة، والتي تمتد جذورها ثقافيًا، والقابلة للتعديل اجتماعيًا وبيئيًا، والتي قد تتيح التمتع بفوائد إضافية لا تقدر بثمنٍ فيما يتعلق برفاهية الأم وربما فيما يتعلق برعاية نمو الجنين حتى التاريخ المحدد والطبيعي للولادة.10
نشرت وحدات الأمومة من بلدان مختلفة ملاحظات مماثلة، وذلك منذ التقارير الأولية التي أشارت إلى انخفاض في معدل المواليد الذين وُلدوا مبكرًا بفترة كبيرة للغاية، والذين يعانون من انخفاض شديد في الوزن عند الولادة، وذلك خلال الإغلاق الناجم عن تفشي جائحة كوفيد-19.2،3،11 وبالرغم من ذلك، فقد أشارت بعض التقارير أيضًا إلى نتائج سلبية كالزيادة في معدل الموتى، وزيادة في حالات الولادات المبكرة وزيادة المؤشرات المتعلقة باعتلال الأمهات.12 فماذا قد يكون سبب هذا التفاوت في النتائج؟ ربما تكمن الإجابة في استكشاف الخلفية الاجتماعية والاقتصادية، أو خصائص ما قبل التدخل الخاصة بالسكان الذين فُرضت عليهم تدابير التخفيف والمشتملة على الإغلاق نتيجة جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى ماهية الدعم الذي تم تقديمه للنساء الحوامل أثناء الإغلاق للوصول في الوقت المناسب إلى الخدمات بالغة الأهمية فيما يتعلق بالتوليد والفترة المحيطة بالولادة، فضلاً عن العوامل الاجتماعية والبيئية التي كان من الممكن تعديلها في مجتمعٍ معينٍ، بالإضافة إلى التعديلات السلوكية المُتبعة من قِبَل مجموعة سكانيةٍ معينةٍ في إطار الاستجابة للتدابير المفروضة.1،11
ثمة بعض الأسباب المعروفة وغير القابلة للتعديل، والتي تتسبب في زيادة معدل حالات الولادة المبكرة، مثل تاريخ الولادات المبكرة السابقة وحالات الحمل المتعدد وأمراض الأمهات، وهو ما جعلها بالفعل محط اهتمام الكثير من الأبحاث.13 غير أنه لم يُفهم بوضوح بعد وعلى وجه التحديد الأسباب المحفزة للتسلسل البيولوجي الذي يؤدي إلى الولادات المبكرة، حتى بعد دراسة حالات تمزق الأغشية المبكر في حالات الأطفال المولودين مبكرًا (PPROM) وتلوث السائل السلوي والوسائط المعدية والواسِمات المناعية والتغيرات في الجراثيم المهبلية لسنواتٍ عديدةٍ.14،15،16 ومن هذا المنطلق، تحث الدراسة التي أجريناها وبعض الدراسات التي تبعتها على اختيار نهج أكثر شمولاً يركز على الأسرة والرعاية الأولية والجذور الاجتماعية، وذلك للتأثير على عوامل الخطر القابلة للتعديل التي قد تؤدي إلى حالات الولادة المبكرة. واستنادًا إلى أبحاث أولية منشورة سابقًا، تشمل الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحد من تلك الحالات ما يلي: التغذية الأفضل للأم، وتقليل الإجهاد المتعلق بالعمل، وتقليل التنقل والإجهاد المتعلق به، وتقليل الجهد البدني والعمل بعد ساعات العمل لمدة طويلة، وتقليل التعرض للعوامل المعدية الشائعة، وتقليل التعرض للتلوث البيئي، والنوم الأمثل وممارسة التمارين الرياضية المناسبة، وتقديم دعم أفضل للشريك، ومنع عنف العشير (العنف المنزلي)، والتطعيمات المثلى للأم، وتجنب دخان السجائر والكحوليات والمواد المخدرة غير المشروعة.17،18،19،20،21،22 وإلى الآن، لم يتم تحديد العامل الأكثر تأثيرًا ضمن هذه العوامل، غير أن التأثيرات التجميعية أو التراكمية لمثل هذه الإجراءات الاجتماعية والبيئية ربما تكون قد لعبت دورًا في الحد الملحوظ من الولادات المبكرة.1،10،11
كذلك تثير هذه النتائج بعض الأسئلة الصعبة والتي تشكل تحديًا من الناحية الاجتماعية:
متى يجب أن تبدأ إجازة الأمومة لتحقيق الفائدة المثلى للرضيع والأم؟
ما مقدار ساعات العمل أو التنقل التي يُتوقع من المرأة الحامل تحملها مع ضمان الرعاية المثلى لجنينها، وذلك فيما يتعلق بالأعمال التي تستغرق وقتًا طويلاً أو تتطلب العمل بعد الساعات المخصصة لها، والتي قد تؤدي إلى بذل جهد بدني كبير أو تتسبب في الإصابة بالإجهاد؟
هل يجدر اتباع بعض التدابير المجربة لاجتناب العدوى خلال فترة الحمل، حتى بعد تفشي الجائحة؟
هذا ولن يكون عملنا والعمل الذي قام به الآخرون بعدنا مباشرةً كافيًا لكي يجيب عن هذه الأسئلة التي قد تشكل تحديًا فيما يتعلق بالمعايير المجتمعية المنتشرة؛ ولكن على الرغم من ذلك، فإنه لا يزال علينا متابعة بحثنا عن الأسباب الحقيقية الكامنة خلف لغز حالات الولادة المبكرة.1،2،11 وتُجرى حاليًا دراسات دولية تهدف إلى فهم ما يجري، إلى جانب تنويرنا بما يتعلق بالحجم الحقيقي للإمكانيات المقترحة، والأسباب الكامنة وراء الاختلافات الملحوظة، إلى جانب التوصل إلى الأدلة بهدف دعم العلاقات السببية ذات الصلة.
تضارب المصالح: لا شيء يمكن الإبلاغ عنه.